Monday, May 26, 2008

معنى أن تكون صحافياً لبنانياً


صحافة النظام أو صحافة التعبير عن مصالح الناس
تقضي الاخلاقيات الصحافية ان يكون الصحافي مراقباً محللاً من أجل المصلحة العامة والدفاع عن الناس العاديين وكشف مكامن الفساد ونصرة المظلوم وتحليل الظواهر السياسية والاجتماعية التي يعاني منها الناس ولا يملكون القدرة على فهمها وتحليلها او معارضتها. هم يريدون معرفة الوقائع التي تعينهم على تشكيل رأي كما يريدون تحليلها ونقدها على قاعدة الدفاع عن مصالحهم كمحكومين لا الدفاع عن اصحاب الامتيازات
تعريف الصحافة
هذا التعريف العلمي الذي يتطابق مع التعريف الاولي والاصلي لدور الصحافة وهو ما يسمى أي دور حارس القبيلة الليلي الذي كان في المجتمعات القبلية البدائية يراقب الأفق ويعلن عن الأخطار المحدقة بالقبيلة، والذي اتخذ مع مرور الزمن دوراً اكثر تعقيداً، يجعل من الذي لا ينكب على قضايا الناس والمجتمع ولا يدافع عن المصلحة العامة والناس العاديين ويكشف مكامن الفساد الخ... مجرد كاتب يعبر عن ذاته او تستخدمه الجريدة ليعبر عن رؤيتها لا أكثر
حسب هذا التعريف يتوقع من الصحافي الكاتب في القضايا السياسية والاجتماعية ان يتنزه عن الاغراءات، المادية والسلطوية، تلك التي تمنعه من كشف الوقائع المزعجة للخواطر، وتحليلها ونقدها من منظار علمي موضوعي ومن اجل المصلحة العامة، مصلحة الناس العاديين مصلحة اصحاب الامتيازات كما ورد في التعريف
كما يتوقع منه ان يبذل جهداً للتفتيش عن المتاعب أي عن القضايا الخبيثة التي تؤثر سلباً على نوعية حياة الناس وتمنعهم من العيش بكرامة، اعلانها ومن ثم تحليل ما يشكل ظاهرة او حتى ما يشكل واقعة استثنائية، في ضوء المعارف العلمية والسياسية
لماذا يختار احدهم او احداهن مهنة الصحافي؟
إلا ان الوفاء لهذا الدور ولدوافع احتراف الكتابة الصحافية يصطدم باكراهات خارجة عن ارادة الصحافي "الملتزم" وهي اكراهات رقابية امنية قهرية او تمويلية واحياناً تسويقية، أي متصلة باستراتيجيات بيع الصحيفة او ايديولوجية قومية، ثقافية، او دينية، (تطغى غالباً على الهم الاقتصادي والتنموي وتالياً الاجتماعي). هذه الاكراهات والخيارات، الايديولوجية تؤدي الى ما يسمى "خط الجريدة وأحياناً "خطوط الجريدة"
هذا عدا الاكراهات المؤسسية او الامنية، أمن السلطة، أو الدوافع الذاتية البحثية: المال والترقي الاجتماعي. يواجه الكاتب الصحافي اللبناني قضايا متلقيه او قارئيه، فهم شديدو التنوع ينتمون الى ما يسميه محمد أركون" ذاكرات اجتماعية مختلفة"، والى طوائف ذات بنى سوسيولوجية مختلفة، تتناقض فيها مصالح الحكام والمحكومين، ولكنها تكاد تبدو للآخرين كتلة واحدة. وهؤلاء القراء بفعل انتماءاتهم السوسيولوجية يحملون رؤى سياسية متناقضة يعتقدون انها تعبر عن مصالحهم، تبلغ تناقضاتها حدود عدم الاتفاق على انتماء البلد الثقافي، كما على دستوره وقوانينه، اي انهم لا يتفقون على قوام البلد ونظامه، وبما انهم منقسمون سوسيولوجياً وطائفياً، لا طبقياً او مهنياً، أي مصلحياً، وحول فلسفة سياسية - حياتية، يجد الكاتب الصحافي نفسه امام جمهور من المتلقين في حالة استنفار سياسي، يتحكم بلا وعيه او بوعيه، ونادراً امام قارئ ينظر الى النص الصحافي من منظار حقوق المواطن والانسان، والمعرفة العلمية البحتة
كيف يتعامل هذا الكاتب الصحافي الذي يكتب في السياسة والاجتماع اللبنانيين مع هذه الاكراهات المؤسسية والأمنية والقضائية ومع تعقيدات التركيبة المجتمعية اللبنانية ويظل أميناً لالتزاماته المهنية المنسجمة مع جوهر مهنته؟
لنتخيل تقنيات كاتب لم يتخلّ عن دوره لأنه يملك حساً او اعداداً صحافياً حقيقياً ويدافع عن قضايا مجتمعية، والى حد ما عن نفسه، ولا زال يعتقد بامكان التأثير على الحدث، لأن بعضهم فقد ايمانه بامكان التأثير على الحدث، لنتخيل بعض التقنيات التي يعتمدها للتحايل على هذه الاكراهات مجتمعة ولا يتحول الى مجرّد كاتب ينوب عن نفسه او عن مجموعة احياناً ضئيلة وينطق باسمها
بدل تعيين المشكلة وتسمية عناصرها قد يلجأ الى التعميم والتنظير فيهرب مثلاً من وصف المشكلات الناجمة عن البنى الطائفية داخل كل طائفة، والتي تؤثر على معيشتها وعلى الوطن، فلا يتطرق مثلاً الى مؤسساتها اللاهوتية والمدنية: مدارسها ومستشفياتها ومنشوراتها والى اسرار اوقافها وما ادراك ما الاوقاف الخ... ولا الى زعاماتها وعلاقاتها بمحكوميها لئلا يبدو "طائفياً" ومتحرشاً بقضايا الآخرين الخاصة. واذا تحدث عن شؤون طائفته وشجونها، بدا خائناً لما تعتقد مصالحها. لأن هذا الصحافي أياً كانت معتقداته الدينية الفعلية، ملحداً او لا، ينتمي سوسيولوجياً وقانونياً الى طائفة، وفي تعميمه يكتفي بلعن الطائفية، واذا شاء التنظير راح يعيد الاعتبار لدلالات العلمانية ويصبو الى حق المواطنة قافزاً على العلمانية خوفاً من سوء الفهم وهذا المثل ينطبق على قضايا اخرى، كالفساد ومصادره واربابه وسلاطينه واذا اضطر الى التسمية يستخدم الكناية، فهذا المسؤول نائب شمالي، او شوفي او مسؤول من احدى الادارات، وهذا الشاهد، وعموماً هو الصحافي نفسه، هو مجموعة "مصادر موثوقة" او "عالمة" او "عارفة"، او مجلس سياسي. يحضرني باب "عيون" في "السفير" و"اسرار الآلهة" في "النهار"
وقد يختار ابواباً أخرى للدفاع عن حقوق المواطن والناس العاديين: كأن يدافع عن البىئة، عن الجبال والتضاريس الطبيعية، القائمة منذ آلاف السنين، او الشواطئ والأحراج، والهواء والمياه. وهذا الصحافي يبحث دائماً عن كوّة حرية، ويجهد في تحرير وجهات نظر انتقادية نضالية
وهذا الكاتب يتفادى عموماً التحدث عن مصادر بعض القرارات التي تحكم حياته الامنية والاقتصادية والثقافية والتربوية... كي لا يتهم بالعمالة والخيانة والتجسس فيكتفي بالدعوة الى الحوار الداخلي حول مسألة السيادة والى تهدئة الخواطر وقد يؤخذ هو نفسه بهذه السجالات الكبرى دون غيرها
وهذا الصحافي نفسه لا يجرؤ على انتقاد فلسفات وسلوكيات وتركيبات ومواقف الاحزاب والحركات المصونة من طوائف، ومراجع عليا،والتي تحوّل بعضها أداة للتعبير عن مصالح مجموعة اشخاص، او للتعبير عن ارادة الزعيم لا ارادتهم، فيهرب الى تمني قيام احزاب وطنية تتجاوز الطوائف
هل يجرؤ احد على تفكيك الخطاب الاعلامي الديني والطائفي الذي لا يكفي ان يكون تحريضاً كي يكون طائفياً وفئوياً، دون ان يتهم بالانحياز؟
وسؤال أخير، هل يجرؤ احد على التحدث عن حاجته الى وطن ومؤسسات فاعلة تملك حرية القرار تلبية لحاجات موضوعية علمية وظيفية وضماناً لحسن سير مؤسساته ولا يتهم بالخيانة والعمالة والتقليل من هيبة الدولة؟
امام هذه الحفنة من الممنوعات وغيرها كيف يمكن الكاتب اللبناني ان يكون كاتباً صحافياً مهنياً، وان لا يتحول الى كاتب يعبر عن نفسه او عن "خط الجريدة" لا عن مصالح الناس ,عندما يلتزم الصحافي هذه الاكراهات يتحول الى صحافي النظام لا الى ناقده
وهل يجرؤ كاتب على تسمية رموز الفساد المالي والاداري، سابقاً وحالياً، وسرد الوقائع التي يسمعها؟ هل يجرؤ على التحقيق فيها وتوثيقها فاضحاً الصفقات المشبوهة والاختلاسات والنفقات غير المشروعة التي قام بها هؤلاء على حساب المال العام ومنهم شخصيات سياسية وادارية حكمت وتحكم منذ انتهاء الحرب حتى اليوم والتي تجعل من ادارة شؤون الناس فرصة لنهب سرّي؟
وهل يجرؤ هذا الكاتب الدخول الى بيوت الطوائف والتطرق الى مشكلاتها الداخلية، السياسية والسوسيولوجية دون ان يتهم بالعداء والطائفية
وسوء النية؟
ولكن ماذا يفعل الصحافي لمقاومة هذه الاكراهات؟
يبدو واقع الكاتب الصحافي السياسي انعكاساً أميناً، الا في ما ندر، للواقع السياسي للبنان شاء أم لا. واذا لم يتكيف، او يكيف نزعاته، مع الأمر الواقع، بذل جهداً للتحايل على المفردات والموضوعات وغرق في التورية والكناية والتعميم والتنظير الضروري لفهم الواقع والارتقاء
به ولكنه لا يرد تماماً على مقتضيات الفعل الصحافي

بقلم: عايدة الجوهري
المصدر: موقع
Elsohof.com

2 comments:

Jana said...

hey lida,ur blog color is nice but i have one comment,the last dark blue box is not very nice because the words in it are not that obvious try to chnage the font color:d.anyways,its a nice blog.best wishes

Professor in Mass of Communication said...

حبيبتي
اظن وصلتي الى هذه المقالة و تعبتي ، فتركتها كما كانت . من فضلك قطعيههههههههههها لصالح الكلمة و القارئ
لقد ابليتي عملا جيد جدا ، و اتممتيه ببراعة الى الامام و اتمنى لك التوفيق في حياتك المهنية
استاذتك د. حمود